الصِّدِّيقةُ بنت الصِّدِّيق, حبيبةُ الحبيب, وإلفُهُ القريب, الطَّيِّبةُ زوجُ الطَّيِّب, ? والطَّيِّباتُ للطَّيِّبينَ والطَّيِّبونَ للطَّيِّبات ?, المُبَرَّأةُ مِن فوقِ سبع سماوات, لم يتزوَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم بِكْراً غيرها, ولم ينزل عليه الوحيُ في لِحافِ امرأةٍ سواها, ولم يَكُنْ في أزواجِهِ مَن هي أحبُّ إليه منها.
ومِن فضلها أنَّه لا تُعلَمُ امرأةٌ في الدُّنيا هي أعلمُ بشرعِ الله منها, حُبُّها قُربةٌ, وبُغْضُها ضلالٌ, وسَبُّها فُجورٌ, وقَذْفُها كُفْرٌ, وقد أجمع العلماء على كفرِ مَن قَذَفَها بعد براءتها؛ لأنَّه مُكَذِّبٌ للقرآن.
مَن رَضِيَها أُمًّا له فهو مؤمن, ومَن لم يرضها فليس بمؤمن, وصَدَقَ الله إذ يقول: (( النَّبيُّ أَوْلَى بالمؤمنينَ مِن أَنفُسِهِمْ وأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ))
وهذه قصيدة بلسانها نظمها أبي عمران موسى بن محمد بن عبدالله الواعظ الأندلسي – رحمه الله - :
والقصيدة مطبوعة بتحقيق وشرح أ . د فهد بن عبدالرحمن بن سليمان الرومي – مكتبة التوبة .
مـا شَـانُ أُمِّ المُؤْمِنِيـنَ وَشَانِـي* هُدِيَ المُحِبُّ لها وضَلَّ الشَّانِـي
إِنِّـي أَقُـولُ مُبَيِّنـاً عَـنْ فَضْلِـه* ومُتَرْجِماً عَـنْ قَوْلِهـا بِلِسَانِـي
يا مُبْغِضِـي لا تَـأْتِ قَبْـرَ مُحَمَّـدٍ* فالبَيْتُ بَيْتِـي والمَكـانُ مَكانِـي
إِنِّي خُصِصْتُ على نِسـاءِ مُحَمَّـدٍ* بِصِفـاتِ بِـرٍّ تَحْتَهُـنَّ مَعانِـي
وَسَبَقْتُهُـنَّ إلـى الفَضَائِـلِ كُلِّـه* فالسَّبْقُ سَبْقِي والعِنَـانُ عِنَانِـي
مَرِضَ النَّبِيُّ وماتَ بيـنَ تَرَائِبِـي* فالْيَوْمُ يَوْمِي والزَّمـانُ زَمانِـي
زَوْجِي رَسـولُ اللهِ لَـمْ أَرَ غَيْـرَهُ* اللهُ زَوَّجَنِـي بِــهِ وحَبَـانِـي
وَأَتَاهُ جِبْرِيـلُ الأَمِيـنُ بِصُورَتِـي* فَأَحَبَّنِي المُخْتَـارُ حِيـنَ رَآنِـي
أنا بِكْـرُهُ العَـذْراءُ عِنْـدِي سِـرُّهُ* وضَجِيعُهُ في مَنْزِلِي قَمَـرانِ(1)
وتَكَـلَّـمَ اللهُ العَظـيـمُ بِحُجَّـتِـي* وَبَرَاءَتِي فـي مُحْكَـمِ القُـرآنِ
واللهُ خَفَّرَنِي(2) وعَظَّـمَ حُرْمَتِـي* وعلـى لِسَـانِ نَبِيِّـهِ بَـرَّانِـي
واللهُ في القُرْآنِ قَـدْ لَعَـنَ الـذي* بَعْدَ البَـرَاءَةِ بِالقَبِيـحِ رَمَانِـي
واللهُ وَبَّـخَ مَـنْ أَرادَ تَنَقُّـصِـي* إفْكاً وسَبَّحَ نَفْسَهُ في شَانِـي(3)
إنِّـي لَمُحْصَـنَـةُ الإزارِ بَرِيـئَـةٌ* ودَلِيلُ حُسْنِ طَهَارَتِي إحْصَانِـي
واللهُ أَحْصَنَنِـي بخـاتَـمِ رُسْـلِـهِ* وأَذَلَّ أَهْـلَ الإفْـكِ والبُهـتَـانِ
وسَمِعْتُ وَحْـيَ اللهِ عِنْـدَ مُحَمَّـدٍ* مِن جِبْرَئِيـلَ ونُـورُهُ يَغْشانِـي
أَوْحَى إلَيْـهِ وَكُنْـتُ تَحْـتَ ثِيابِـهِ* فَحَنـا علـيَّ بِثَوْبِـهِ خَبَّـانـي
مَنْ ذا يُفَاخِرُني وينْكِـرُ صُحْبَتِـي* ومُحَمَّـدٌ فـي حِجْـرِهِ رَبَّانـي؟
وأَخَذْتُ عن أَبَـوَيَّ دِيـنَ مُحَمَّـدٍ* وَهُما على الإسْـلامِ مُصْطَحِبـانِ
وأبـي أَقـامَ الدِّيـنَ بَعْـدَ مُحَمَّـدٍ* فالنَّصْلُ نَصْلِي والسِّنانُ سِنانِـي
والفَخْرُ فَخْرِي والخِلاَفَةُ فـي أبِـي* حَسْبِي بِهَـذا مَفْخَـراً وكَفانِـي
وأنا ابْنَةُ الصِّدِّيقِ صاحِـبِ أَحْمَـدٍ* وحَبِيبِهِ فـي السِّـرِّ والإعـلانِ
نَصَـرَ النَّبـيَّ بمـالِـهِ وفَعـالِـهِ* وخُرُوجِهِ مَعَـهُ مِـن الأَوْطـانِ
ثانِيهِ في الغارِِ الذي سَدَّ الكُوَى(4)* بِرِدائِـهِ أَكْـرِمْ بِـهِ مِـنْ ثـانِ
وَجَفَا الغِنَى حتَّـى تَخَلَّـلَ بالعَـبَ* زُهـداً وأَذْعَـنَ أيَّمَـا إذْعـانِ
وتَخَلَّلَـتْ مَعَـهُ مَلاَئِكَـةُ الـسَّـمَ* وأَتَتْهُ بُشـرَى اللهِ بالرِّضْـوانِ
وَهُوَ الذي لَمْ يَخْـشَ لَوْمَـةَ لائِـمٍ* في قَتْلِ أَهْـلِ البَغْـيِ والعُـدْوَانِ
قَتَلَ الأُلى مَنَعـوا الزَّكـاةَ بِكُفْرِهِـمْ* وأَذَلَّ أَهْـلَ الكُفْـرِ والطُّغـيـانِ
سَبَقَ الصَّحَابَةَ والقَرَابَـةَ لِلْهُـدَى* هو شَيْخُهُمْ في الفَضْلِ والإحْسَانِ
واللهِ مـا اسْتَبَقُـوا لِنَيْـلِ فَضِيلَـةٍ* مِثْلَ اسْتِبَاقِ الخَيلِ يَـومَ رِهَـانِ
إلاَّ وطَـارَ أَبـي إلــى عَلْيَـائِـه* فَمَكَانُـهُ مِنهـا أَجَـلُّ مَـكَـانِ
وَيْـلٌ لِعَبْـدٍ خــانَ آلَ مُحَـمَّـدٍ* بِعَـدَاوةِ الأَزْواجِ والأَخْتَـانِ(5)
طُُوبى لِمَنْ والى جَمَاعَـةَ صَحْبِـهِ* وَيَكُونُ مِـن أَحْبَابِـهِ الحَسَنَـانِ
بَيْـنَ الصَّحابَـةِ والقَرابَـةِ أُلْفَـةٌ* لا تَسْتَحِيـلُ بِنَزْغَـةِ الشَّيْطـانِ
هُمْ كالأَصَابِعِ في اليَدَيْـنِ تَوَاصُـل* هل يَسْتَوِي كَفٌّ بِغَيـرِ بَنـانِ؟!
حَصِرَتْ(6) صُدورُ الكافِرِينَ بِوَالِدِي* وقُلُوبُهُمْ مُلِئَـتْ مِـنَ الأَضْغـانِ
حُبُّ البَتُولِ وَبَعْلِهـا لـم يَخْتَلِـفْ* مِن مِلَّـةِ الإسْـلامِ فيـهِ اثْنَـانِ
أَكْـرِمْ بِأَرْبَعَـةٍ أَئِمَّـةِ شَـرْعِـنَ* فَهُـمُ لِبَيْـتِ الدِّيـنِ كَالأرْكَـانِ
نُسِجَتْ مَوَدَّتُهُمْ سَدىً فـي لُحْمَـةٍ* فَبِنَاؤُهـا مِـن أَثْبَـتِ البُنْيَـانِ
اللهُ أَلَّــفَ بَـيْـنَ وُدِّ قُلُوبِـهِـمْ* لِيَغِيـظَ كُـلَّ مُنَـافِـقٍ طَـعَّـانِ
رُحَمَـاءُ بَيْنَهُـمُ صَفَـتْ أَخْلاقُهُـمْ* وَخَلَـتْ قُلُوبُهُـمُ مِـنَ الشَّنَـآنِ
فَدُخُولُهُـمْ بَيْـنَ الأَحِبَّـةِ كُلْـفَـةٌ* وسِبَابُهُمْ سَبَبٌ إلـى الحِرْمَـانِ
جَمَعَ الإلهُ المُسْلِمِيـنَ علـى أبـي* واسْتُبْدِلُوا مِـنْ خَوْفِهِـمْ بِأَمَـانِ
وإذا أَرَادَ اللهُ نُـصْـرَةَ عَـبْــدِهِ* مَنْ ذا يُطِيقُ لَهُ على خِـذْلانِ؟!
مَنْ حَبَّنِي فَلْيَجْتَنِـبْ مَـنْ َسَبَّنِـي* إنْ كَانَ صَانَ مَحَبَّتِـي وَرَعَانِـي
وإذا مُحِبِّي قَدْ أَلَـظَّ(7) بِمُبْغِضِـي* فَكِلاهُمَا في البُغْـضِ مُسْتَوِيَـانِ
إنِّـي لَطَيِّبَـةٌ خُلِـقْـتُ لِطَـيِّـبٍ* ونِسَاءُ أَحْمَـدَ أَطْيَـبُ النِّسْـوَانِ
إنِّـي لأُمُّ المُؤْمِنِيـنَ فَمَـنْ أَبَــى* حُبِّي فَسَوْفَ يَبُـوءُ بالخُسْـرَانِ
اللهُ حَبَّبَـنِـي لِقَـلْـبِ نَـبِـيِّـهِ* وإلى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ هَدَانِـي
واللهُ يُكْـرِمُ مَـنْ أَرَادَ كَرَامَـتِـي* ويُهِينُ رَبِّي مَـنْ أَرَادَ هَوَانِـي
واللهَ أَسْـأَلُـهُ زِيَــادَةَ فَضْـلِـهِ* وحَمِدْتُـهُ شُكْـراً لِمَـا أَوْلاَنِـي
يا مَنْ يَلُـوذُ بِأَهْـلِ بَيْـتِ مُحَمَّـدٍ* يَرْجُو بِذلِكَ رَحْمَةَ الرَّحْمـانِ(
صِلْ أُمَّهَـاتِ المُؤْمِنِيـنَ ولا تَحِـدْ* عَنَّـا فَتُسْلَـبَ حُلَّـةَ الإيـمـانِ
إنِّـي لَصَادِقَـةُ المَقَـالِ كَرِيـمَـةٌ* إي والذي ذَلَّـتْ لَـهُ الثَّقَـلانِ
خُذْها إليـكَ فإنَّمَـا هـيَ رَوْضَـةٌ* مَحْفُوفَـةٌ بالـرَّوْحِ والرَّيْـحَـانِ
صَلَّى الإلـهُ علـى النَّبـيِّ وآلِـهِ* فَبِهِـمْ تُشَـمُّ أَزَاهِـرُ البُسْتَـانِ
(1) القمران: أبو بكر وعمر, وهما ضجيعا النبي صلى الله عليه وسلم.
(2) خفرني: حماني وأجارني.
(3) في قوله تعالى: (( سبحانك هذا بهتان عظيم )).
(4) الكوى: جمع كُوَّة, والكوة: الخرق في الجدار يدخل منه الهواء أو الضوء.
(5) الأختان: كل مَن كان مِن قِبَلِ المرأة, كأبيها وأخيها.
(6) حصرت: ضاقت صدورهم.
(7) ألظ: لَزِمَه ولم يفارقه.
(
قوله يا من يلوذ بأهل بيت محمد, يبدو أنه يخاطب بها الرافضة لعنهم الله.